القائمة الرئيسية

الصفحات

شرح موضوع الدلالة النَّحوية

الدلالة النَّحوية

1- ماهي الدلالة النحوية ؟

2- ماهو تعريف الدلالة النحوية ؟

3- ماهي أراء العلماء في الدلالة النحوية ؟

4- ماهو شرح الدلالة النحوية ؟

5- ماهو تعريف الدلالة لغة واصطلاحاً ؟

6- ماهو تعريف النحو لغة واصطلاحا ؟



بهذه التساؤلات نبدأ في موقع كنوز النحو العربي شرح الدلالة النحوية بشكل مفصل وواضح .


شرح موضوع الدلالة النَّحوية


تعريف الدلالة النحوية :

الدَّلالةُ النَّحويةُ مصطلحٌ متكوّنٌ من: الدَّلالةِ, والنَّحو, وقبل الشُّروع بتعريفِ الدَّلالةُ النَّحويةُ, ومعرفةِ مضمونِها, نقفُ على تعريفِ هذينِ المفهومين - الدَّلالةُ والنَّحو- لغةً واصطلاحاً, لنتبيَّنَ بعد ذلك كيف يتَّفقُ هذانِ المفهومان ويتَّحدان ليؤديا مُصطلحاً علميّاً له تعريفهُ الخاصُّ وميدانُه العلميُّ المستقلُّ .

الدَّلالة لغة ً

   للدلالةِ في المعاجمِ معانٍ عدّة ؛ لكنَّ أكثرَ هذه المعاني تداولاً هو المعنى الحسيّ أو الماديّ للكلمةِ, وهذا المعنى يتفق وواقعِ أهلِ الباديةِ الَّذي يعيشون فيه, فمعنى الدَّلالةِ يلتقي مع مفهومِ الدَّليلِ الَّذي يجوبُ الصَّحراءَ المتراميةَ الأطرافِ لِهدايةِ النَّاسِ, وإنَّ الدَّلالة أعمُّ من الهدايةِ والإرشاد(1), وإنَّ لفظَ المصدرِ يكونُ بثلاثِ لُغاتٍ (دَلالة, ودِلالة, ودُلالة), بفتحِ الدَّال وكسرِها وضمِّها, والفتحُ أعلى(2) .

   نجدُ مما تقدّم أنَّ اللغةَ التي يرتضيها اللغويون لِمصطلحِ الدَّلالة تكون بفتح الدَّال, وأنَّ المعنى العام للكلمة هو الإبانةُ والتَّسديد(3) .

الدَّلالة اصطلاحاً

   عرَّفها الرَّاغبُ الأصفهانيّ (ت502ه), بقولهِ: (( ما يتوصّل به إلى معرفةِ الشَّيءِ، كدلالةِ الألفاظِ على المعنى، ودَلالةِ الإشاراتِ، والرّموز، والكتابة، والعقود في الحساب، وسواءٌ كان ذلك بقصدٍ ممَّن يجعله دَلالة، أو لم يكن بقصد، كمن يرى حركةَ إنسانٍ فيعلمُ أنَّه حيٌّ ))(4), أمَّا الشَّريفُ الجرجانيّ (ت816ه), فقد عرَّفها بقولهِ:(( كونُ الشَّيءِ بحالةٍ يلزمُ من العلمِ به العلمُ بشيءٍ آخر، والشَّيءُ الأوَّل هو الدَّال، والثَّاني هو المدلول))(5) .

   نجدُ في التعريفينِ أنَّ المعانيَ لها حقيقتان, الأولى: خارجُ الذِّهن, وتتمثلُ بالألفاظِ والإشاراتِ والرّموزِ, وغيرها, والثانية: داخلُ الذِّهن, فالمعنى بشكلٍ عامٍّ له منطوقٌ ومفهومٌ, فالمنطوقُ كقولِنا: إذا جئتني اليومَ أُعطيكَ مئةَ دينارٍ, أمّا المفهومُ: إذا لم تأتِ لا تحصلُ على المئةِ دينارٍ, وهذا المعنى أشارَ إليه الدّكتور أحمد مختار عمر بقوله: (( شخصٌ يقود سيارةً يجد أمامَه لافتةً مكتوبٌ عليها: الطريقُ مغلقٌ, إذا سار السائقُ ولم يعبأ بالرمز فأنه سيضطرُّ إلى الاستدارةِ والعودةِ حينَ يصلُ إلى العائقِ, ولكن إذا عمل بما جاء في الرّمز فسيستدير بمجردِ رؤيتهِ ويعود))(6) .

   أمَّا المحدثون, فقد ذكرَ الدَّكتور أحمد مختار عمر تعريفاتٍ عدَّةً للدلالة, فهي: ((دراسة المعنى, أو العلمُ الذي يدرس المعنى, أو ذلك الفرعُ من علمِ اللُّغةِ الّذي يتناولُ نظريةِ المعنى, أو ذلك الفَرعُ الَّذي يدرسُ الشُّروطَ الواجب توافرها في الرَّمز حتّى يكونَ قادراً على حملِ المعنى ))(7).

الدَّلالة والمعنى

   نجدُ في التَّعريفينِ الأخيرين للدَّلالة أنَّ دراسةَ المعنى هي موضوعُ علمِ الدَّلالة, مع احترازِ الدُّكتور احمد مختار عمر على عدمِ استعمال صيغةِ الجَّمعِ (علم المعاني), لأنَّ الأخيرَ من موضوعاتِ علمِ البلاغةِ(8), وهُنا يردُ سؤالٌ مهمٌّ, وهو: هل الدلالة والمعنى مصطلحان مترادفان؟ وللإجابة على هذا السؤال نعرض فهم القدماء للمعنى وربطهِ بمفهومِ الدَّلالة الاصطلاحيّ الَّذي عرضناهُ عند الرَّاغب الأصفهانيّ والشَّريف الجرجانيّ لنتبيّن موقفَهم, ثمَّ نذكرُ بعض آراءِ المُحدثين, (( فقد خلطَ بعض اللغويين من القدماء والمُحدثين بين الدلالة والمعنى بسبب التقارب الشديد بينهما ))(9)

   ذكر ابنُ فارس أنَّ المعنى: القصد الَّذي يبرز من مكنون ما تضمَّنهُ اللَّفظ(10), وأشارَ ابنُ منظور إلى أنَّ المعنى هو المقصدُ المفهومُ من الكلام(11), وأوضح الشَّريفُ الجرجانيّ أنَّ المعانيَ صورٌ ذهنيةٌ مستمدةٌ من الألفاظ(12), فعلى هذا نجدُ أنَّ المعنى مرتبطٌ باللَّفظ عندهم, في حين مفهوم الدَّلالةِ الاصطلاحيّ نجده مختلفاً, لأنَّ تعريفَي الرَّاغب, والجرجانيّ للدِّلالة وجدناه لا ينحصر فقط في اللَّفظ, بل تعداهُ إلى غيره؛ من الإشاراتِ, والرُّموزِ, والحركاتِ؛ لذا أجدُ أنَّ مفهومَ الدَّلالةِ عند القُدماء أوسع من المعنى وليس مرادفاً له .

   أمَّا المُحدثون فهُم على ثلاثة أقسام, الأوَّلُ: يجعلُ المُصطلحينِ مترادفينِ, وهذا ما وجدتُه عند الدُّكتور أحمد مختار عمر, الَّذي ذكرَ أنَّ علمَ الدَّلالةِ يُسمَّى أيضاً بعلمِ المعنى, فموضوعُ علمِ الدَّلالة لا يقفُ عند اللَّفظِ فقط بل يشملُ علاماتِ الطَّريق وإشاراتِ اليدِ, وإيماءةِ الرَّأس(13), بالمقابلِ أوضحَ أن علمَ المعنى لا يقفُ فقط عند معاني الكلمات المفردة(14), فعلى هذا الأساس استنتجُ أنَّ الدَّلالةَ والمعنى عنده مترادفان .

   ونجدُ هذا المعنى أيضاً عند الدُّكتورة عواطف كنّوش إذ صرّحتْ بشكلٍ مباشر أنَّه لا فرقَ بين الدَّلالةِ والمعنى وذلك في قولِها: (( اتّضحَ لي أنَّ الدلالةَ هي المعنى,..., فالدلالةُ والمعنى ليس مصطلحين لعلمين مختلفين, بل إنَّهما علمٌ واحدٌ لمصطلحين مترادفين, وبهذا نردُّ على من يقول: الدَّلالة ليستْ مرادفة للمعنى ))(15) .

   وأجدُ أن الدكتورة عواطف كنّوش ناقضتْ رأيها في الموضع نفسه وذلك في قولها:(( فما دامت الدلالة هي الارتباط بين الدال والمدلول أي بين اللفظ والمعنى, فلا يمكن أن يتم الاتصال ولا تتمّ اللغة إلّا بوجود الدلالة ))(16), إذ نجدُ أنَّها تصرّح أنَّ الدَّلالةَ لا تكونُ إلّا بوجودِ اللَّفظِ الَّذي هو الدَّال والمعنى الَّذي هو مدلول اللَّفظ, وعلى هذا الفهم تكون الدلالة أوسع من المعنى؛ لأنها لا تقتصر فقط على المعنى الذي هو المدلول, إذ لا بدَّ من وجود الدالّ, كأن يكون اللفظ أو الإشارة أو أي حركة.

   أمَّا القسم الثاني: فقد فرّقوا بين المصطلحين, وهذا ما وجدته عند الدكتور محمد المبارك؛ إذ قال: (( وعلى هذا فالدَّلالة ليستْ مرادفة للمعنى, ففي الاتِّصال اللُّغوي أي نقل الأفكار عن طريق اللغة رمزٌ دالّ هو اللَّفظ, ومدلولٌ هو المعنى))(17).

   أمَّا الدُّكتور هادي نهر, فقد صرّح أنَّ الدلالةَ أوسعُ من المعنى, وذلك في قوله: (( وعلى الرَّغم من أنَّ مصطلح الدَّلالة عندنا أوسع وأشمل من مصطلح المعنى, إذ يدخل ضمنَ الدَّلالة الرّموز اللُّغوية (الألفاظ) وغيرها من أدواتِ الاتِّصال كالإشاراتِ والرُّموز والعلاماتِ, نرى أنَّ الفرقَ بينَهما ممّا يهتمُّ به دارسو الدَّلالة))(18).

   أمَّا القسم الثالث: يجعلُ المعنى أوسع من الدَّلالة وهذا الرأي نجده عند الدكتور عزمي إسلام إذ قال: (( إلّا أنَّ مفهوم المعنى أعمُّ وأشملُ من مفهوم الدلالة, طالما أنَّ المعنى يمكن أن يكونَ للّفظِ كما يمكن أن يكونَ للعبارة أو للجملة, ولا يكون مقصوراً بالضرورة على الألفاظ وحدها ))(19), وهذا الرأي أيضاً أجده غير ناهض؛ لأنَّ المعنى عندما يُتحصّل من اللفظ فهذا معناه أنَّ اللفظ يكون دالّاً على المعنى, أي أنَّ المدلول (المعنى), يحتاج إلى دال (اللفظ أو غيره) وهذا ميدان علم الدلالة, فلا يمكننا أن نعدَّ المعنى الذي لا يتحقق من دون الدال أوسع من علم الدلالة الذي يشملهما معاً .

   بعد هذا العرضِ الموجزِ لبعضِ آراءِ القُدماءِ والمُحدثينَ في قضيةِ الدَّلالة والمعنى, نجدُ أنَّ أصوبَ الآراءِ هو أنَّ الدَّلالةَ والمعنى ليسا مترادفين, وأنَّ الدلالة أوسع من المعنى بوصفها تشمل الدّال, الذي يكون على شكل لفظ أو إشارة أو رمز, والمدلول الذي هو المعنى .

النَّحو لغةً

   النَّحو في اللغة له معانٍ عدَّة, منها أنَّهُ يراد به القصد, فقولنا: نحوتُ زيداً, أي قصدته(20), ومنها التَّحريف,(( ونحا الشيءَ ينحاهُ وينحوه إذا حرّفه, ومنه سُمِّيَ النحويُّ, لأنَّهُ يحرّف الكلامَ إلى وجوهِ الإعراب ))(21), ومنها الاعتماد, (( أَنْحَى ونَحَى وانتحى أَي اعتَمَدَ علَى الشَّيءِ,..., الانتِحَاءُ فِي السُّجُودِ الاعتِمادُ على الجَبهةِ والأَنف ))(22), ويأتي بمعنى الصَّرْفُ, كقولنا: نَحيتُ بَصري إِليهِ, أي: صَرَفْتُه, وكذلك من معانيه الإزالة, كقولنا: نحَّيتُ الشَّيءَ, أي: أزلتُه(23), ويبقى معنى القصد والطريق من أشهر معاني هذه الكلمة, وذلك أنَّ كلمة (نحو) إنّما تحولت إلى مصطلح علميٍّ يراد به معرفة أواخر الكلم؛ منذ أنْ وجّه الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) أبا الأسود إلى وضعه وقال له: اِنحُ هذا النَّحو(24)

النَّحو اصطلاحاً

   عرّفه ابن جني (392ه) بقوله: (( هو انتحاء سَمْت كلام العرب, في تصرفه من إعراب وغيره, كالتثنية, والجمع, والتحقير, والتكسير, والإضافة, والنسب, والتركيب, وغير ذلك,..., وهو في الأصل مصدر شائع, أي نحوت نحواً, كقولك: قصدتُ قصداً, ثم خُصّ به  انتحاء هذا القبيل من العلم ))(25),وعرّفه التهانويِّ (1158ه) بقوله: (( هو علمٌ يُعرفُ به كيفيةُ التَّركيب العربيِّ صحةً وسقاماً ))(26), فقولنا: ضرب الغلامَ زيدٌ هي جملةٌ صحيحةُ التركيبِ نحوياً, مع وجود التقديم والتأخير في الرتبة بين الفاعل والمفعول به(27), أما انتساب المصطلح إلى النحو وقولنا: (المصطلح النّحوي), فيعني أنَّنا ((حدَّدنا دائرةَ الاصطلاح وجعلناها مختصةً في ميدان النَّحو لتخصيصهِ بالبحث دون غيره من العلوم))(28) .

الدلالة النحوية

   يمكنُ فَهمُ الدَّلالةِ النحويةِ على أنَّها إدراك المعاني من خلالِ العلاقاتِ النِّحوية في التَّركيب(29), وكذلك هي (( الدَّلالةُ التي تحصلُ من خلالِ العلاقاتِ النحويةِ بينِ الكلماتِ التي تتخذُ منها موقعاً معيناً في الجُّملة حسب قوانين اللُّغة, إذ إنَّ كلَّ كلمةٍ في التَّركيب لا بدَّ أنَّ تكونَ لها وظيفةٌ نحويةٌ من خلالِ موقعِها ))(30) .

  إنَّ مصطلحَ الدَّلالةِ النِّحويةِ لم يكن متداولاً في مصنَّفاتِ النُّحاة القدماء, وإنْ كانوا لم يغفلوا عن معناه, فقد أشاروا إليه بمسمياتٍ أُخر, وهذا ما نجده عند ابن جنِّي في معرض كلامه عن دلالة اللَّفظ ودلالةِ المعنى, إذ ردَّ قولَ أبي عليٍّ الفارسيّ الَّذي يذهب إلى أنَّ الدَّلالةَ اللَّفظية أقوى من الدَّلالةِ المعنويةِ, فالأخيرةُ هي المُرادفة لمصطلحِ الدَّلالةِ النَّحويةِ عنده(31), أمّا الزمخشريّ (538ه), فنجده يشير إلى الدَّلالة النَّحوية من خلال تعريفه للاسم إذ قال: (( والاسمُ ما دلَّ على معنىً في نفسه دلالةً مجردةً عن الاقتران ))(32), وهذا الاسم إذا ما دخل في تركيبٍ –اقتران- يصبح له دلالةً أخرى, وهذا هو ميدانُ الدَّلالةِ النَّحويةِ, وأشار ابن يعيش (643ه), إلى معنى الدَّلالةِ النَّحويةِ من خلال اسم الاستفهام (مَن), الذي يدلُّ على معنى الاسمية  من غير اقتران؛ وعلى معنى الاستفهام من خلال التَّركيب, الَّذي يأتي من الخارج(33).

    فالتَّفاعل القويّ بين معاني الأبواب النَّحوية على وفقِ القواعدِ المخصوصةِ هو الَّذي يقوم بدورٍ فعّالٍ في تفسيرِ الجملةِ ويعطي المعنى المراد والمقصود, فالفاعلية جزءٌ مهمٌ من التَّركيب النَّحوي للجُّملة, وإذا نظرنا إليه من ناحيةِ التَّركيبِ نجدهُ يتداخلُ مع ألفاظٍ ثانيةٍ على وفقِ تركيبٍ إسناديٍ محكومٍ بقواعدٍ نحويةٍ ليُنتجَ لنا كلاماً مفهوماً ذا معنى يحسُن السُّكوت عليه(34) . 

   وعلى أساسِ هذه العلاقةِ بين الدَّلالة والنَّحو تنفتحُ وتتَّضحُ معاني الكلام, إذ الجملة العربية تحتّم ترتيباً خاصاً بحيث لو اختلّ يكون المعنى صعبَ المنالِ, وقد أشار ابنُ جنِّي إلى هذا المعنى إذ قال في بابِ القول على الإعراب (( هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ , ألا ترى أنك إذا سمعت : أكرم سعيد أباه, وشكر سعيداً أبوه , علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول, ولو كان الكلام شرجاً(35) واحداً لاستبهم أحدهما من صاحبه ))(36) , فلولا الإعراب بين الأبواب النَّحوية لكان إدراكُ المعنى صعباً وليس مُتناولاً, فمن خلال هذا الكلام يتوضح لنا مدى ترابط النَّحو بالدَّلالة, إذ إنَّ العلاقة بينهما نشأتْ منذ ولادةِ الدَّرسِ النحويّ العربيّ وكان الارتباط وثيقاً لاحتياج كل منهما الآخر فالنحو والدّلالة متعانقان عناقاً حميماً ينتج من خلاله الفهم الدقيق والصحيح للنص(37) .

   وقد أشارَ الدُّكتورُ أحمد مُختار عمر إلى مُراعاةِ الجَّانبِ النَّحويّ أو الوظيفةِ النَّحويةِ للكلمةِ داخلِ التَّركيبِ أو الجُّملة, وأوضحَ إلى أنَّ تغييرَ الوظيفةِ النَّحويةِ من شأنهِ أنْ يغيّرَ المعنى المفهوم, ومثالُه الذي ساقه هو: طاردَ الكلبُ القطَ, إذ أشارَ إلى قضيةِ العلامةِ الإعرابيةِ في حفظِ المعنى, فلو قدَّمنا المفعولَ به وهو القطّ على الفاعلِ الذي هو الكلب لتغيّر المعنى ولكنَّ العلامةَ الإعرابيةَ هي التي حفظتْ لنا المعنى الصَّحيح للجملة(38), لكن يبقى السؤال المهم هو: لماذا يتم تقديم المفعول على الفاعل؟, والإجابة على هذا السؤال هو ميدان الدلالة النحوية, لأنَّ أساس هذه الدراسة إيجاد العلاقة بينَ التَّراكيبِ النَّحويةِ ودلالاتِها, وسيتَّضحُ إن شاء الله هذا المعنى في الفصل الأخير من هذه الدراسة .

  من جانبٍ آخرٍ لم يغفلْ المفسرون أهميةَ الدَّلالةِ النَّحويةِ في تفسير النَّص القرآنيّ, ومن هؤلاءِ المفسرين أبي القاسم الزمخشريّ, فمن الأمورِ المهمّةِ والبارزةِ لديهِ النَّظرُ إلى عَلاقةِ النَّحو بالمعنى والبلاغة(39), من ذلك ما وردَ في كشَّافهِ في تفسيرهِ لسورةِ الفاتحةِ ((الحمدُ: ارتفاع الحمد بالابتداء,...,وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم, بإضمارِ فعلهِ على أنَّه من المصادرِ الَّتي تنصبه العربُ بأفعالَ مضمرةٍ في معنى الإخبار كقولهم : شكراً وكفراً وعجباً وما أشبه ذلك,...,والعدلُ بها عن النَّصبِ إلى الرفعِ على الابتداء للدَّلالةِ على ثباتِ المعنى واستقرارهِ, ومنه قولُه تعالى ﴿ قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ (40) رفعَ السلامَ الثَّاني للدَّلالة على أنَّ إبراهيمَ (عليه السلام) حياهُم بتحيةٍ أحسنَ من تحيتهِم لأنَّ الرَّفعَ دالٌّ على معنى ثباتِ السلامِ لهم دونَ تجدّده وحدوثهِ والمعنى : نحمدُ اللهَ حمداً ))(41).

   أمَّا البلاغيون فقد جعلوا الدَّلالةَ النَّحويةَ أساساً في مصنَّفاتِهم إلى جانبِ البيانِ والبديعِ وأطلقوا عليها علم المعاني(42), من ذلك ما نجده عند السكاكي (626هـ) الذي عقد فصلاً في مفتاحه يختصُّ بعلم المعاني, وقد درس فيه أحوالَ المسندِ, والمسند إليه, والقصر, إلى جانب الأساليبِ الإنشائيةِ الطَّلبيةِ (44) .

  وكذا استعانَ الأصوليون بالدَّلالةِ النَّحويةِ لأنّها من الأُسسِ التي يعتمدونَها في الوصولِ إلى الأحكامِ الشرعيةِ(44), فعلمُ الأصولِ (( مُرتبطٌ بتوجيهِ التَّرتيبِ اللَّفظيّ وبيانِ دلالته التي تختلفُ من تركيبٍ إلى آخرٍ ، وكم من المَسائل الشرعيّة التي يختلفُ الحُكمُ فيها تبعاً لاختلافِ التَّركيبِ ومَدلولِه )(45) .




([1]) ينظر: الكليّات, الكفويّ, 439 .

([2]) ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية, الجوهريّ, مادة (دلل), 4/1698, و معجم مقاييس اللغة, ابن فارس, مادة (دلّ) , 2/260, ولسان العرب, ابن منظور , مادة (دلل), 11/247-250,

([3]) ينظر : دلالة السياق, د.ردة الله الطلحيّ, 27 .

([4]) المفردات في غريب القرآن, الراغب الأصفهاني, 1/316-317 .

([5]) التعريفات, الجرجاني, 108, وينظر : شرح الكوكب المنير, ابن النجّار, 1/125, و كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم, التهانويّ, 787.

([6]) علم الدلالة, 12 .

([7]) المصدر نفسه, 11, وينظر : الدلالة والنحو, د.صلاح الدين حسنين, 9 .

([8]) ينظر : علم الدلالة, 11 .

([9]) مصطلحات الدلالة العربية, د. جاسم محمد عبد العبود, 42

([10]) ينظر : معجم مقاييس اللغة, مادة (عنى), 4/149 .

([11]) ينظر : لسان العرب, مادة (عنى), 15/106 .

([12]) ينظر : التعريفات, 216 

13)) ينظر : علم الدلالة, 11 .

([14]) ينظر : المصدر نفسه , 12 .

([15]) الدلالة السياقية عند اللغويين, د. عواطف كنّوش, 34 .

 ([16])المصدر نفسه,34.

([17]) فقه اللغة وخصائص العربية, د. محمد المبارك, 168 .

([18]) علم الدلالة التطبيقي, 15 .

([19]) مفهوم المعنى (دراسة تحليلية), ( بحث ) د. عزمي إسلام, مجلة حوليات كلية الآداب, الكويت, ع6, سنة 1405هـ 1985م, 25.

([20]) ينظر : العين, الخليل, مادة (نحو), 3/302 .

([21]) تهذيب اللغة, الأزهري , مادة ( نحا ) 5/163 .

([22]) لسان العرب , مادة (نحا), 15/310 .

([23]) ينظر: المصدر نفسه , 15/311 و 312 .

([24]) ينظر : نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء , ابن الانباري , 18 , وإنباه الرواة على أنباه النحاة , جمال الدين القفطيّ , 1/39 .

([25]) الخصائص , ابن جني , 1/34 .

([26]) كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم , 1/23

([27]) ينظر : المصدر نفسه.

([28]) المصطلح النحوي , عوض حمد القوزي , 25 .

([29]) ينظر : دلالة الألفاظ , إبراهيم أنيس , 48 .

([30]) الدلالة عند ابن جني, د. عبد الكريم مجاهد عبد الرحمن, ( بحث) , مجلة الدّارة- السعودية, ع1, سنة 1983, صفحة 169 .

([31]) ينظر : الخصائص , 3/99-101, والدلالة عند ابن جنّي, 170, ودلالة السياق , 33 .

([32]) المفصّل في علم العربية, 33 .

([33]) ينظر : شرح المفصّل , 1/22 .

([34]) ينظر : النحو والدلالة , 29 .

([35]) الشَرْج: الضَّرْب؛ يُقَالُ: هُما شَرْج واحدٌ, ينظر : لسان العرب, مادة (شرج), 2/307.

(4) الخصائص , 1/35 .

([37]) ينظر : النحو والدلالة, 10 .

([38]) ينظر : علم الدلالة , 13 .

([39]) ينظر : الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري , د.فاضل السامرائي , 235 .

([40]) هود , 69 .

([41]) الكشّاف, الزمخشري, 1/27 .

([42]) ينظر : البحث الدلالي في التبيان في تفسير القرآن , (أطروحة دكتوراه), ابتهال الزيدي , جامعة بغداد, كلية التربية للبنات, سنة 2104, صفحة 214 .

([43]) ينظر : مفتاح العلوم, 163 وما بعدها .

([44]) ينظر : البحث الدلالي في التبيان في تفسير القرآن , 214 .

([45]) أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية , ( أطروحة دكتوراه ), عبد القادر عبد الرحمن السعدي ,  39 .


المصدر : ( الدلالة النحوية في أدعية الإمام المهدي عليه السلام )